الشاي والفخار والكينتسوغي: فن الترابط والإصلاح

في عالم الحرف اليدوية، تشكل العلاقة المعقدة بين الشاي والفخار وفن الكينتسوغي الياباني نسيجا معمولا بالتراث والابتكار والصمود. تتجاوز الروابط بين هذه الأركان الحدود الثقافية وتتحدث الى قلب البراعة والابداع والفن والاصلاح الإنساني. 

يتشارك الشاي والاعمال الفخارية والخزفية روابط رمزية تعود الى قرون مضت. تتطلب طقوس شرب الشاي بعض الاواني التي تعزز هذه التجربة بصريا ووظيفيا. فلقد كانت الاواني الفخارية وبفضل قدرتها على الاحتفاظ بالحرارة والتقاط او تفريق الفروقات البسيطة في النكهات، الوسيلة الاكثر استعمالا لصناعة اباريق الشاي والاقداح والاواني الأخرى عبر عدد من الثقافات. يقوم الحرفيون بتحويل الطين الخام بأيديهم الماهرة الى اعمال فنية وخدمية ترتقي من تجربة شرب الشاي. 

كينتسوغي او “النجارة الذهبية” هي شكل من اشكال الفن الياباني القديم التي يجسد وبشكل جميل مفهوم احتضان العيوب او الشوائب. ويتضمن ذلك اصلاح القطع الفخارية والخزفية بالطلاء او الورنيش الممزوج بمسحوق (بودرة) من الذهب او الفضة او البلاتين. لا يرمم هذا الفن القطع المكسورة فحسب، بل يبرز الكسور ويحتفي بتاريخ وصلابة القطعة المُرممة. ويجسد كينتسوغي فلسفة وابي سابي (Wabi-sabi) اليابانية، لإيجاد الجمال في العيوب والشوائب. 

تكمن العلاقة العملية بين الشاي والاعمال الفخارية والكينتسوغي في عملية التكوين والاستخدام والكسر والترميم. يصنع عاملي الفخار والخزف الماهرين اباريق شاي واقداح اخذين بعين الاعتبار التوازن بين الشكل والغرض بشدة. تصمم الاواني لتعزيز رائحة الشاي وطعمه ودرجة حرارته، الشيء الذي يضمن تجربة مميزة لشارب الشاي. تعكس البراعة الفنية الدقيقة المستخدمة في عمل هذه الاواني الفخارية اخلاص الفنانين وتفانيهم في جميع انحاء العالم. 

ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى دقة الصنع، فان الحوادث تحصل والفخار يمكن ان ينكسر. هذا هو المكان الذي يلعب الكينتسوغي دوره. وبدلا من رمي القطع المكسورة، يستخدم المهرة من الحرفيين فن كينتسوغي لترميمها. تتضمن عملية الترميم تطبيق دقيق لطلاء مليء بالمعادن الثمينة لتحويل الكسور الى خطوط ذهبية مما يجعل القطعة المُرممة أكثر قيمة وجاذبية من حالتها الاصلية. 

لا تقتصر العلاقة بين الشاي والفخار والكينتسوغي على اليابان فقط، بل للثقافات في جميع انحاء العالم طرقها الخاصة لترميم الاواني الفخارية المكسورة ولكل من هذه الطرق لمسة فريدة من نوعها. ففي الصين مثلا يشبه فن ترميم الاعمال الفخارية الذي يعرف بـ “النجارة الذهبية” فن الكينتسوغي. اما في الثقافة الأوروبية فغالبا ما يتضمن فن ترميم الاعمال الفخارية استخدام مواد مثل راتنجات الايبوكسي (epoxy resin) واوراق الذهب، مما يعكس طرق مغايرة للترميم. 

وفي العصر الحديث، تبنى الحرفين من خلفيات ثقافية مختلفة تقنيات مستوحاة من فن كينتسوغي، ويستخدم الحرفيون المعاصرون فلسفة كينتسوغي ليس لترميم الاعمال الفخارية فقط، ولكن أيضا للأشياء المكسورة الأخرى كالأواني الزجاجية والاثاث للحفاظ على دورها وتاريخها.

الشاي والاعمال الفخارية والكينتسوغي يجسدون استمرارية الروح البشرية في خلق الجمال وتقديره والحفاظ عليه. ويكمن الارتباط الواقعي بين هذه العناصر في اندماجها السلس ضمن الحياة اليومية، مما يغني تجاربنا ويذكرنا بالجمال الموجود في عدم الكمال والعيوب. وعندما نشرب الشاي من قدح مصنوع بدقة نتذكر الحرفية التي مرت بها صناعته. فعندما تكسر قطعة فخارية عزيزة ويتم ترميمها باستخدام كينتسوغي، فإنها تصبح شهادة على صلابة كل من القطعة والروح البشرية، مما يعرض القوة التحويلية للترميم والارث الدائم للحرفية في جميع انحاء العالم.