
مدينة:
دعونا نتحدث قليلا عن الشعور بعمل الاواني الفخارية. اللعب بالطين هو من اكثر الأشياء التي يرخي المشاعر. انه شيء ممتع للغاية عندما تلمس التراب بيدك وخلطه بالماء. تتخلص من القلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى وتمنح نفسك سلام داخلي من خلال إعطاء قطعة الأرض شكل زهرة وتحويلها الى شيء ثمين. فصناعة الفخار باليد بدون عجلة في أي مكان لا يتطلب مكان خاص كورشة لهذه المهنة الفنية. وهذا هو أحد الاسباب التي تجعل الفخار اليدوي اكثر اهمية بالنسبة لنا من الفخار ذي العجلة. هنالك طرق مختلفة لصنع الفخار باليد: أولا- الضغط بالأصابع او بالوخز، ثانيا- بالفتيل او اللف، ثالثا: صفائح سطحية او لوح منحنية سواء محدبة او مقعرة.
علينا امتلاك طين او تربة جيدة لصنع فخاريات عالية الجودة. الخطوة الأولى هي تحضير الطين او التربة للفخار بخلطه بالماء. اهتمام شديد يجب اتخاذه لاعداد الطين المناسب كي لا يكون رقيقا جدا او سميكا جدا.
عند إضافة الماء الى التراب او الطين وعجنه فقد يظهر بعض التشقق في جدران الكأس الفخاري. وبعدها يضيع كل جهدك. لذلك يجب ان تعجن كعجين لتحضير المعجنات. تضغط عليه بمعصم يدك حتى تتم إزالة فقاعات الهواء المخفية في طبقات الطين. تعتبر طريقة التحضير بالاصبع (الضغط) من اسهل طرق لتكوين الطين. سيعمل الضغط باصبعك الى رفع جدار الطين وبحركات صعودية بطيئة، يمكنك إعطائه الشكل الذي تريده. فالضغط بالاصباع ينتج قطعة فخارية صغيرة تحافظ على بصمات اصابعك في العمل – فريدة ومبتكرة وجميلة. نحن نستخدم طين تجاري وطين محلي بري. بلاتوشا (Blatuša) هي منطقة صغيرة تقع بالقرب من حدود البوسنة حيث ذهبنا الى هناك لجمع أنواع مختلفة من الطين. ولطين بلاتوشا (Blatuša) الوان جميلا كالابيض والاحمر والوردي والاصفر وهو سهل جدا للعمل فيه. كمل اننا نطلي الطين ونكسيه به أيضا. تترك التربة المستخرجة من الأرض في سطل فيه ماء لبضعة أيام. ومن ثم نرى ونحكم اذا كان مناسبا ام لا. بعد تصفية الطين عبر منخل صغير جدا، يتم وضعه في كيس من القماش ثم يعلق على شجرة في حديقة الاتيليه. لا يجب ان يكون الطين جافا او رطبا جدا. يستغرق الامر في بعض الأحيان أربعة الى خمسة أيام، لكن بعض الأنواع قد تستغرق الى ما يقارب العشرة أيام وتظل رطبة جدا. ومن جهة أخرى، ان الطين من منطقة كرموشتشيتسا (Grmošćica) المكان الواقع غرب مدينة زغرب يجف بدرجة مناسبة بعد ثلاثة أيام فقط. لم أرى في ايران غير الطين الوردي، ولكن الان أرى كل تلك الأنواع من الطين المحلي البري وهي أنواع جميلة جدا. من بين جميع أنواع التربة المحلية البرية التي جمعناها وجربناها فانا افضل طين كل من بلاتوشا (Blatuša) وكرموشتشيتسا (Grmošćica) وبيترينيا (Petrinja). تحتوي تربة بلاتوشا (Blatuša) على معدن الكاولينيت (الصلصال الصيني) وهي مادة جيدة لطلاء الفخار واكساءه. ويتم صناعة طلاء بإضافة كمية قليلة من الخل الى الطين والماء او مواد أخرى كالرمل والرماد والصدف. يختبر الطلاء البري في فرن عند 1300 درجة مئوية لمعرفة كيفية تفاعله واندماجه. اذا صهر الطين في درجة حرارة كهذه فقد يكون اشكالا جميلة جدا، ولكنها قد تعطب الفرن لهذا نحن حذرون للغاية. استخدمنا طين منطقة ماكسيمير (Maksimir) لسنوات عدة وهكذا تأكدنا بانه مناسب جدا لدرجات الحرارة العالية. ولكن في احدى المناسبات، كان لدينا طين من ثلاثة مواقع مختلفة في ماكسيمير (Maksimir) وصهر طين احدى تلك المواقع بدرجة حرارة عالية، فاصبحت بعض الاكواب الفخارية مجرد ديكور غير صالحة للاستخدام. لكن بعض القطع المنصهرة أصبحت جميلة جدا حتى لو لم يكن في البداية ان تصبح هكذا، فقد خرج من الفرن كوب فخاري بفقاعات صغيرة. يعتقد الكثيرون انه خطأ في العمل ولكنني اعتقد انه جميل المنظر.
لكل شخص فكرته عن كيف يكون الكوب الفخاري جميلا. لذا لا اقرر انفا ما الذي سأفعله. فانا اخذ الطين فقط والعب به – يتحول في بعض الأحيان الى كوب او وعاء او ابريق شاي او زهرة. للطين ارادته الخاصة. فيوم امس اتيت الى الاتيليه لأصنع كوبا، وبينما كنت أقوم بضغط الطين بكامل ارادتي، قرر ان يصبح صحن. انا لا اضيف ماءا عندما اعمل بيدي حتى لو كنت أحاول أصلح تشقق ما. تعلق صديقتي اربي على ذلك قائلة “اعتقد ان الماء يخرج من بين اصابعك”.
لم يسبق لي وان عملت بالطين قبل مجيئي الى زيفي اتيليه د.ك. (Živi Atelje DK)، فاول مرة كانت عندما جئت الى ورشة عمل نظمها زيفي اتيليه د.ك. مع انيا سلابنيتشار (Anja Slapničar) وبعدها مع ليديا بوشيفسكي (Lidia Boševski)، عندها كنت متعبة جدا وقلت لنفسي: “لماذا الطين؟ لا اريد ان افعل ذلك”. وعندما جئت الى الاتيليه في يوم اخر، أتذكر انني اتصلت بصديقي واخبرتها “لاااااا انهم يعملون بالطين مرة أخرى!” لكنني صنعت كوبا وبدأ الحاضرون يقولون هذا رائع، انه كوب جميل!” في بعض الأحيان، يتطلب الامر ان يتعرف الاخرون عليك وعلى عملك حتى تتمكن انت بنفسك من الحصول على الطاقة والثقة. لقد اعطاني ذلك القوة. الان انا افعل ذلك كل يوم. فاذا كنت حزينا فاذهب واللعب بالطين واشعر بالتحسن فورا.

منصورة:
انا لا اعمل في الفخار حتى لا اصاب بـ (srklet) من الايادي المتسخة. كلمة (srklet) هي كلمة بوسنية تعني القشعريرة والارتعاش وما شابه. فكنت وانا صغيرة مجبرة على غسل يداي باستمرار خلال جميع مراحل طفولتي ولذلك أحاول الا اجعل يداي تتسخان او تلطخان باي شكل من الاشكال. فمشاركتي هي بصناعة اغلفة قماشية للمنتجات الفخارية وغير الفخارية، لذلك اشعر أيضا بانني جزء من مجموعة الفخار. لقد وجدت طريقة للشعور بالارتياح وانا اساعد المجموعة. ولدي شعور بانهم متقبلين لي هكذا.