العناية والصحبة المتبادلة

حكاية قصيرة

صامتين كنا جالسين جميعا حول الطاولة. وانذاك كانت قد مرت عدة أيام على خبر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا. وفقدت احدى صديقاتنا ابنة عمها وزوجها واطفالهما الثلاثة. عانقناها جميعا. شاركتنا بعض الطعام كثواب أعدته لهذه المناسبة الحزينة، وقالت هكذا هي التقاليد عندنا عندما يكون عزاء. كنا نشعر بثقل الحزن. وعلى الطرف الاخر تلقت صديقتنا الثانية مكالمة هاتفيا من والدتها تطلب منها الاتصال بأُسرة احدى معارفهم تسكن في جزء اخر من أوروبا كانت عائلتها فقدت احد أقاربهم. واصرت الام على ان لا تعزيهم برسالة نصية بل ان تتصل به ” بالنسبة لصديقتنا فان الاتصال بهم سيكون امر متعب جدا بالنسبة لها فهي لا تريد ان تتصل بهم، فسماع البكاء والالم على الهاتف يجلب المزيد من الألم لها وهي فيها ما يكفي من الألم. ايدنا نحن موقفها، فكمجتمع نعانق بعضنا حينما نكون معا، نتشارك الحكايات والقصص، ونتراسل فيما بيننا برسائل نصية مترجمة حينما لا نكون مجتمعين، نخفف على بعضنا البعض ونغذي الامل للتعافي بشكل أفضل ونعانق بعض البعض مرة أخرى. هذه هي دائرة اعتنائنا ببعضنا. 

فعلى مدى أعوام من نمو الوعي والتفهم وممارسة الصحبة المتبادلة، اصبح بمقدورنا تعريف الشيء الأساسي لتمكيننا: توازن ثلاثي العناية لدينا، تقديمها وتلقيها والعناية بالذات. كلما كان التوازن افضل، كان بإمكاننا إعطاء وتقديم بشكل افضل لأنفسنا ولمجتمعنا وكذلك بيئتنا. كان الامر متوقعا في البداية بان “مقدموا العناية” عادة ما كانوا من النساء المقيمات في كرواتيا ويتمتعن بامتيازات اكثر، ان لم يكن على الصعيد المادي، فعلى الأقل فيما يتعلق بموضوع التنقل ومعرفة الأماكن واللغة. اما “متلقو الرعاية” فهم القادمون الجدد من اللذين لا يتحدثون اللغة المحلية للبلد وكانوا من الواضح انهم مقيدين في مبدئي التنقل الحر والحقوق. 

ومن المتعارف عليه ولايزال هذا التمييز قائما ان مقدم الرعاية هو من السكان الأصليين او متطوع او مانح او متبرع. اما متلقي الرعاية فهو لاجئ او اجنبي او مستفيد او مهاجر او ما شابه. وذلك يتطلب إعادة النظر لانه حتى اذا كانت هذه اعمال خيرية ظاهريا، فقد تكون اعمال من نوع التي تزيد من الاذلال او فرض السيطرة. في نظام يهتم بنفسه في انتظام وإصرار فقط وليس لأولئك الذين من المفترض ان يمثلهم والذين بحاجة اليها. تجاربنا مليئة بقصص الخسارة والحزن والمأساة وعدد لا يحصى من التعامل مع مفترقات الطرق والترحال. قد يتحمل البعض عبئ كونهم من مقدمي الرعاية وهم غير قادرين على الحصول عليها، بينما يتم تقديم الاخرين واظهارهم على انهم المتلقين للرعاية، فيعزز ذلك النظام الهرمي وسلطة الذكور وانعدام المساوات والمرونة في التعامل وكذلك فقدان الشعور بروح المجموعة او حتى الانعزال. وما زلنا نتعلم ان عدم التوازن في ثلاثي الرعاية والجوانب غير الصحية فيها، تظهر ضغط وانعدام الثقة والارهاق والاكتئاب وانعدام الاستقلالية. وان ذلك يضر المجتمع بأكمله على المدى البعيد. ان الرعاية او العناية شيء شفاف ومنقوص من قيمته لدرجة ان تسليط الضوء على الرعاية وإعادة توازن ثلاثي الرعاية اصبح من الأفعال المؤثرة للمقاومة والشجاعة والقوة. فالصحبة المتبادلة هي طريقة للوجود في عالم يعترف بتواصلنا ونضالنا المشترك والفريد من نوعه. وبالنسبة لنا، التضامن ضمن المشاركة الافقية هو الطريق التي نراقب بها العلاقات القوية والامتياز لمحاربة القمع وعدم المساواة. 

تدعم الصحبة المتبادلة اصالة ونزاهة الافراد والمجتمعات من خلال التواضع والثقة والصبر والاستمرار وهي وسلية لتمكين ايضا. وليست بالسهلة في تحقيقها، فنحن نحاول ان يكون مبدى الصحبة المتبادلة نشاط اجتماعي وذي توفر جذري.