نحن ومسرح المقهورين

يعتبر مسرح المنتدى احدى التقنيات من المخزون الواسع لمسرح المقهورين (Theater of the Oppressed). تم تأسيس مسرح المقهورين في البرازيل، ويرجع الفضل في المقام الأول الى اوغستو بوال (Augusto Boal)، الذي أدرك مع فرقته المسرحية ان شكل المسرح الكلاسيكي يمثل مشكلة في عملهم: فهو يوحي الى سلبية الجمهور، اي يأتون الى مكان لا علاقة له بتجارب حياتهم الشخصية، وهناك يشاهدون مسرحية تتحدث عن أشياء لا يفهمونها، وربما يكافئونها بالتصفيق ومن ثم يغادرون. ولم يلائم بوال (Boal) أي شي من ذلك. بالنسبة له لا يوجد المسرح في المعابد المقدسة فقط وانما المسرح هو العالم بأسره، والممثلون هم نحن جميعا.

وبدلا من تقديم مسرحيات كتبها أوروبيون واخرجها مثقفون ومفكرون متميزون تمكنوا من الوصول الى الجامعات الأوروبية، أراد بوال (Boal) ومساعدوه الحديث عن حياتهم اليومية، وفتح المسرح لجميع الطبقات الاجتماعية والاعراق في البرازيل. والاهم من هذا كله وبدلا من ان يكون الجمهور متلقي سلبي يشاهد الأداء في الظلام ويتعاطف مع شخصيات الابطال وهو محروم من سلطة تغيير أي شيء، فيصبح الجمهور مشارك نشط يخلق ويغير العرض بشكل فوري. 

تعد هذه الأفكار قريبة جدا من أفكار المشاركة الافقية العامة والمجتمع وعلاقات القوة ودور الفن ضمن زيفي اتيليه د.ك. (Živi Atelje DK)، وذلك واحد من الأسباب التي أدى الى ادراج ورشات عمل مسرحية في نشاطات تجمع “النساء للنساء” (Women to Women collective). اول شيء كنا قد قررنا عمله هو الاستمرار في التركيز على العملية ككل (المسيرة) بدلا من المنتج النهائي. ولذلك فضلنا الاجتماعات المستمرة، مرة كل نصف شهر، نبدأ بالألعاب والمسرح والضحك والبحث عن طرق لاستخدام اجسادنا بشكل أكبر، وللانفتاح تجاه ابداعنا سعيا لإيجاد طرق مختلفة للتحدث عن حياتنا وقهرنا ولحظات فرحنا. 

 للعرض في مسرح المنتدى دراماتورجيا موحدة: فهي تبدأ بتقديم الخصم (الذي يتميز بكونه في موقع قوة، ومستفيد من الاضطهاد)، والبطلة (سواء ان كانت واحدة او مجموعة)، ويكون التركيز عليهما في المشهد. لدى البطلة ارادتها الخاصة: هناك شيء تريد القيام به وهو يتعارض مع إرادة الخصم.

لا تتواجد البطلة (الابطال) ولا الخصم (الخصوم) في الفراغ، فهم جزء من سياق اجتماعي أوسع يحدد علاقاتهم تلك. فمثلا، يمكن ان تكون الشخصية بطل في مشهد او مسرحية إذا كان عاملا في مصنع لا يحترم حقوقه الأساسية في العمل (لان السياق الاجتماعي الاوسع هو سياق الاستغلال الرأسمالي)، وفي مشهد اخر هو ذاته الخصم (إذا تعامل على سبيل المثال بعنف في المنزل، لان السياق الاجتماعي الاوسع قد يكون النظام الذكوري). ولهذا السبب محاولة تقديم سياق اجتماعي محدد لكل مسرحية هو امر مهم جدا. 

لقد بدأنا العمل على التجارب الحياتية للمشاركين والتجربة التي ظلت تظهر دائما هي العنف الممنهج للبيروقراطية. وبعدها عندما بدأنا بالتحقيق في الاسباب وراء هذا الوضع المخيف، بدأت صورة السياق الاوسع بالظهور للعديد من الذين ليست لديهم جوازات سفر كرواتية، بينما كانوا يحاولون الحصول على تصريح عمل او إقامة. ان الوضع المتزعزع الناتج عن انعدام الامن الوجودي يبقي الناس سلبيين وخائفين من الشكوى ضد الرواتب القليلة وظروف العمل، أدى بدوره الى خلق المزيد من الأرباح لأرباب العمل المحليين. المسرحية التي الفناها هي عن عاملة (البطلة) في مطبخ أحد المطاعم تتعرض مع زملائها لعمل شاق في ظروف عمل صعبة. تحاول هي تقديم شكوى الى مرؤوسها في العمل (الخصم) ولكنه لا يفسح أي مجال لذلك، وهي من غير أوراق رسمية فلا يمكنها عمل الكثير. ان خطوتها التالية هي الحصول على تصريح عمل، ولكن هذه مهمة شاقة جدا وتعني في الحقيقة مشوار لا ينتهي من طرق أبواب المؤسسات وجمع الأوراق المطلوبة. العمال الاخرون هم شخصيات مساعدة، سواء ان كانوا يساعدون البطلة او الخصم من خلال افعالهم او عدمها. دائما ما تنتهي مسرحية المنتدى بانهزام البطل او البطلة: وذلك لان المسرحية هي في الواقع سؤال نطرحه على الجمهور، أي هي صياغة للمشكلة نريد استكشافها مع الجمهور. على السؤال ان يكون حقيقيا ومتوصل اليه من قبل الأعضاء او المشاركين في ورشة العمل بأنفسهم، ولا يجب ا يفرض من قبل المنسق. على البطلة محاولة تمييزه وتغييره – ليست البطلة ضحية!

تخضع الدراماتورجيا في مسرح المنتدى للتغيير والتجريب، ولكن عادة ما تحتفظ بنسق أساسي معين. ومع ذلك أصر بوال (Boal) نفسه على عدم رغبته بان يحتكر هذه الطريقة، بل ويجب ان تكون مفتوحة وقابلة للتكيف مع احتياجات مستخدميها. 

يبدأ العرض عندما تصبح المسرحية جاهزة ويتعرف الممثلين جيدا على شخصياتهم. على الرغم من تعودنا سماع المقولة بان لكل مسرحية على الخشبة عالمها الخاص، الا ان هذه المقولة تنطبق حرفيا على مسرح المنتدى: المشهد الأول هو اللحظة الوحيدة التي يتكرر فيها ما تم التدرب عليه عندما تمثل المسرحية من البداية للنهاية. يبقى الأداء بعد ذلك في ايدي الجمهور من خلال وساطة الكورينغا – Kuringa (الجوكر والوسيط)، ويصبح بعضا من الجمهور هم الذين يحددون المشكلة، ويدخلون في أدوار الابطال والشخصيات المساعدة ويحاولون وضع أنفسهم بشكل مختلف، بل وحل المشكلة حتى، وأولئك الذين يعلقون على تدخلات الناس والتعلم منهم، فعن ينظمون أنفسهم ويشاركون في الأداء والعرض. ويعمل الكورينغا (Kuringa) على وضع قواعد اللعبة وتأسيس إطار يتم من خلاله تنفيذ الموقف، ولكن النجم الحقيقي هو الجمهور. وينتهي العرض بعد تجربة أفكار مختلفة عن طريق التعامل مع الموقف، على الرغم من عدم افصاحه بكل شيء. على النقيض من مؤسسة المسرح الكلاسيكي التي تتميز بمفهوم تطهير الذات كنهاية لكل القصة، فان مسرح المنتدى هو بالحقيقة شكل مفتوح: حيث يجب على الجمهور أيضا الخروج للتساؤل عن العالم والتفكير في المشكلة لان ذلك هو الذي سيمكننهم من التفكير في حلول جديدة وثم تطبيقها على الحياة بين حين وآخر. 

لقد قررنا ان نتقدم خطوة الى الامام متبعين أفكار المسرح التشريعي (Legislative theatre) وان نستخدم المسرحية كوسيلة لفتح حوار حول ما نراه بالمستوى التشكيلي كخطوات محتملة على الطريق الصحيح. لقد جمعنا الأفكار وترجمناها وناقشناها وارسلناها الى صناع القرار.